الكآبـــــة..أنواعها وأسبابها وعلاجها
بغداد -بقلم سعاد البياتي
مرض الكآبة من الامراض النفسية والفيزيولوجية تبدأ بشعور المصاب بالحزن والضيق والمزاجية الفارغة وقلة النوم والاستيقاظ المبكر، او العكس مثل الاسراف في النوم وفقدان الوزن بشكل ملحوظ بعد فقدان الشهية، ورد الفعل العصبي.
اضافة الى عدم القدرة على التركيز، واصابة الذاكرة بالخلل مثل النسيان وبالتالي الانطواء وعدم مشاركة الاخرين، اي انعزال المريض وانطوائه على نفسه بشكل كامل.
أعراض الكآبة
عن الكآبة وأنواعها وأعراضها وعلاجها التقينا الطبيب النفسي حارث الآلوسي موضحاً لنا كل ما يخص هذا المرض:
المريض بالكآبة قد يكون ساهما باستمرار، كئيب الوجه والملامح، كثير الشكوى، تطحنه الافكار السوداء بلا رجاء وربما توصله الى البكاء، يظن انه ضاع وانتهى، او ما ينتظره هو اسوا مما هو عليه.. وقد تحاول ان تصحح فلا يقبل، وقد ينظر اليك في يأس اوشك ويبكي او قد يقول لك سمعت مثل هذا كثيرا ولا فائدة: وقد يرفض الحديث جملة بحجة عدم جدواه.
ومشكلة هذا الشخص اما انه لايجد حلا فتزداد كآبته او يجد الشخص الذي يستريح اليه فيظل يتردد عليه كثيرا.
وفي كل مرة يقضي ساعات في الكلام والحوار.. مصرا على ما هو عليه، حتى يهرب منه الشخص المريح فيتبعه هذا الهروب ويرى انه يفقد القلب الذي اراحه، وبهذا الفقد تزداد كآبته.
أنواع الكآبة
الكآبة الروحية، والكآبة الطبيعية، والكآبة الخاطئة والكآبة المرضية.
فالكآبة الروحية.. هي كآبة لاسباب روحية وتكون مؤقتة ومعها عزاء ورجاء وتنتهي غالبا بالفرح.
ومثال ذلك تزداد كآبة الانسان بسبب اخطائه، او وقوعه في خطيئة معينة، وهي كآبة يصحبها الندم، وتقود الى التوبة. واذا ما وصل صاحبها الى التوبة، يتحول حزنه الى فرح والى عزاء داخلي في اعماق قلبه، اذ انه قد بدأ في اصلاح سيرته.
وقد يكون سبب الكآبة عاما وليس خاصا، حينما يحزن الابرار بسبب الشر المنتشر في العالم، وبسبب الاغراءات والانحرافات التي تسقط كثيرين، وتدفعهم كآبتهم الى العمل على قيادة هؤلاء الخاطئين الى طريق البر وتسهيل عودتهم الى الله.
الكآبة الطبيعية
هذه الكآبة سميت طبيعية لارتباطها بالواقع الطبيعي للحياة وما يتعرض له الانسان مثل الحزن والبكاء على وفاة قريب او صديق عزيز، او الحزن على مرضه باحد الامراض المستعصية او الشديدة الالم، كذلك بسبب الكوارث والحوادث والخسائر.. وايضا الحزن بسبب الفشل في مشروع مهم، او الرسوب في احد الامتحانات او عدم التفوق فيه.. او عدم الحصول على وظيفة.. كل هذا شيء طبيعي، لكنه لا يصح ان يستمر من دون رجاء.
الكآبة الخاطئة
وهي التي تحوي الخطيئة داخلها ومن امثلتها شخص في قلبه شهوة خاطئة لم يستطع تحقيقها! وذلك لان ليست كل الفرص متاحة امامه، وربما تكون نعمة الله هي التي سمحت بوجود صعوبات حتى لايكمل بالعمل ماراده بالقلب، ومن ذلك تلميذ فشل في الغش فلم ينجح.. وعلاج مثل هذه الكآبة هو علاج الدافع عليها، وذلك بتنقية القلب حتى لا يشتهي ما هو خاطئ.
وهناك ايضا كآبة سببها الغيرة والحسد.. وهنا خطيئة تقود الى خطيئة اخرى، فعدم الفرح بنجاح الاخرين تقود الغيرة منهم الى حسدهم ويقودهم كل ذلك الى الكآبة.. والمفروض ان الغيرة تدفع الانسان الى الاجتهاد لكي يصل الى ما وصل اليه غيره وليس الى الحسد والحزن.
أنواع أخرى للكآبة
ويسترسل الآلوسي عن انواع اخرى من هذا المرض فيبرز في بحثه عن ان هناك كآبة اخرى سببها اليأس حيث يقود الى خطأ والمثل يقول (ان فاتتك فرصة فالتمس غيرها) والانسان المؤمن.. اذ يتكل على الله يوقن ان الله عنده حلول كثيرة، ويوقن ايضا ان كل باب مغلق له مفتاح يفتحه، او عدة مفاتيح.. بينما اليأس يغلق الطريق امامه، ويتركه حائرا وبلا حل.
وهناك كآبة انسان ينحصر بالضيقات حزينا بلا رجاء، وبها تتم النصيحة لهذا الانسان بان لا يجمع المشاكل معا، وان لا يقف حزينا بلا حل وبلا رجاء وبلا تفكير في كيفية الخروج منها، وبلا اتكال على الله او انتظاره لحلها.. فمثلا البكاء على الميت شيء طبيعي، ولكنها كآبة خاطئة.
الحل بيدك
فقد يوجد شخص حساس جدا نحو كرامته او من جهة حقوقه، ومن جهة معاملة الناس له، فهو يتضايق جدا لاي سبب او لاتفه سبب.. او ربما بلا سبب!! ويريد معاملة خاصة في منتهى الرقة، والدقة والحرص.. فان لم يجدها حينئذ يكتئب.. وربما يقوده هذا الاكتئاب الى العزلة عن الناس، والى النفور من المجتمع الذي في نظره لا يراعي شعوره!
وقد يتسبب الاكتئاب عن ضيق الصدر وعدم الاحتمال فالانسان الواسع الصدر والقلب يستطيع ان يمرر اشياء كثيرة تذوب في قلبه الواسع، ولا يضيق بها او يكتئب بسببها اما الذين لا يحتملون، فما اسهل وصولهم الى الكآبة.
ولاشك ان سعة الفكر تعالج الكآبة، فبدلا من الاكتئاب يفكر في حل له، والانسان الذكي اذا احاطت به مشكلة او ضيقة بدلا من ارهاق اعصابه ونفسيته بالمشكلة ومتاعبها.. يشغل ذهنه بايجاد حل للخروج من المشكلة، فان وجد الحل يبتهج وتزول هذه المشكلة، وان لم يجد يصبر فربما بالوقت تنتهي المشكلة، اما الذي لا يستطيع ان يصبر، فلاشك انه ضيق الصدر، وهذا تزداد كآبته، ويكون سببها قلة الحيلة.
الشك عذاب للإنسان
فالشيطان قد يغرس اسبابا للضيق، فكلما يسعد بوضع يغريه باوضاع اخرى كانها افضل مما هو فيه!! فان وصل اليها يغريه بغير.. وهكذا يوجده في جو من التردد وعدم الثبات.
وقد يقودنا الشك اذا استمر الى تحطيم النفس كأن شكا في اخلاص صديق، او في امانة زوجة او عنقها او كان شاكاً في حفظ الله ومعونته.. او قد يكون شكا في تدابير تدبر ضده ولا يدري! فافكار الشك تخرج من العقل لكي توجد عذابا في النفس، فمثلا زوج يشك في عفة زوجته، فيغلق عليها الابواب والنوافذ ويتجسس عليها، ويحقق معها، ويجعل حياتها عذابا، وقد تكون بريئة كل البراءة.. وتكون لها نتائج خطيرة.
الكآبة المرضية
اما النوع الاخير من المرض هو الكآبة المرضية.. التي تنتج عن الشك المسبب للكآبة، اذا تطور يتحول الى مرض، فيحطم كل معنويات الانسان ويزيل عنه بشاشته.. فالكآبة هنا تلتصق بالمريض ولا تفارقه، فتكون معه في جلوسه ومشيته وفي نومه وصحوه.. بافكار سوداء كلها حزن وقلق وخوف وصور كئيبة امامه بلاحل ولا رجاء، كآبة تضيع حياته وروحياته ونفسه وعقله، باقتناع داخلي انه قد ضاع وانتهى.. كما يخطئ ويقطع رجاءه في الخلاص وامكانية التوبة، ويقطع رجاءه في مراحم الله، وهذه هي طريقة الشيطان التي يوقع بها الانسان في اليأس والكآبة القاتلة.
ومن اسباب الكآبة المرضية عقدة الذنب، كأن يموت لشخص اب او ابن فيظن انه السبب في موته، ويظل هذا الفكر يتعبه ويجلب له حزنا لا ينقطع ويظل يقول: ربما قصرت في حقه ولولا تقصيري مامات ويظل الشيطان يذكره بمناسبات التقصير ويقول في كآبته المرضية.. ربما لو احضرت له طبيبا، ربما لو سافر الى الخارج، وهكذا تتبعه افكار كثيرة.. وربما سببت كآبته مرضاً له يظن انه بلا شفاء، او يتوقع له نتائج خطيرة يصورها له الوهم والخوف.
كيف نعالج الكآبة؟!!
قبل الدخول في تفاصيل العلاج والتخلص من هذا المرض يوضح الآلوسي بان هناك نوعين من المصابين بالكآبة نوع يرفض العزاء ويرفض التفاهم، ونوع يتشبث بالفكر كلما يخرجونه منه يعود اليه، وكلما يستريح من كآبته يعود اليها مرة اخرى.. وربما تخطر عليه فكرة الانتحار، لكي يتخلص من كآبته ومن يأسه!! وعموما يكون للكآبة تأثيرها على صحته من جهة انهاك الافكار له ولاعصابه، ومن جهة التعب النفسي وتاثيره على الجسد، وكذلك من جهة فكرة واحدة مسيطرة عليه لا يعرف كيف يخرج من حصارها له.
انه مرض يتعبه، ويتعب كل الذين من حوله ويتعب طبيبه فما هو العلاج اذن؟
الخسارة أول الطريق
اول علاج من الكآبة هو ان توقن تماما من اعماق قلبك وفكرك، ان الكآبة ليست علاجا لمشاكلك، كما ان جميع الناس تحدث لهم مشاكل، فتسبب لك هذه المشكلة حزنا في قلبك او ضيقا وهذا يحدث ايضا لجميع الناس، ولكنك انت بالذات تستمر معك، الكآبة مدة اطول مما تستحق ويحاولون ان يعزوك او يخففوا عنك، ولكنك باصرار شديد ترفض ان تتعزى، فيسأم الناس من الحديث معك، فيتركونك لتجلس في كآبة اكثر وفي انطواء!!
وهنا نسألك هل استفدت شيئا من كآبتك؟
وهل عالجت مشكلتك؟
لاشك انك خسرت بالكآبة اكثر مما كنت تتوقع.. وخسرت الجو الهادئ الذي كنت تعيش فيه، كما انك عرضت على الناس نقصا فيك ما كانوا يعرفونه عنك، وهو عجزك وعدم احتمالك للمشاكل فلماذا كل هذا؟!
حلول بسيطة
كن واقعيا وفكر في حل مشاكلك، ولا تركز على الاكتئاب وان لم تجد حلا لمشكلتك..تحمل وعش في واقعك.
وان اكتأبت بحكم الطبيعة البشرية، لا تجعل هذه الكآبة تطول وتستمر، ولا تكشف نفسك هكذا امام الناس ولا تجعلهم ينظرون اليك في اشفاق او في يأس من تغيير حالتك.
حاول ان تكون اقوى من المشكلة، وان لم تستطع حولها الى الله الذي هو اقوى من الكل والذي كل شيء مستطاع عنده.. ولاتعد تفكر فيها.
ولكن لا توجد مشكلة واحدة يمكن ان تحل بالكآبة.. اذن عليك ان تؤمن بان الله موجود ولابد ان يتدخل، وانه ضابط الكل يرى كل شيء، وهو يعرف متاعبك، ويشفق عليك.. وهناك مشاكل يمكن حلها، وهناك مشاكل لا يمكن حلها.. ويمكن ان تكون مشكلتك التي تبدو لك بلا حل هي من هذا النوع.. ولكن عليك ان تشغل نفسك باستمرار.. لتبتعد عن التفكير المرهق.
الموسيقى كعلاج
لاشك ان هناك انواعا من الموسيقى لها تاثير قوي على النفس، ويمكنها ان تريح وان تهدئ، وان تبعد الانسان عن جو الحزن والكآبة، وتنقله الى اجواء اخرى ويمكن اختيار قطع الموسيقى التي لاتضر روحيا.. ولها عمق وتاثير، وقدرة على التفاعل مع المشاعر المتألمة، وفتح ابواب الرجاء امامها.ان الموسيقى هي علاج للنفس، علاج للاحاسيس والمشاعر وقد تكون اكثر تاثيرا من النصائح.. ولكن ليس الموسيقى بمعناها الفناء.
العلاج بالعقاقير
هذا العلاج قد يكون مقبولا حينما يكون المريض بحالة عصبية معينة، او في حالة نفسية لا تقبل التفاهم.
وقد تكون العقاقير ضرورة للمريض الهائج او المرهق.. مع انها لها اضرار جانبية. فقد يأخذ المهدئات والمسكنات لكي يستريح من الفكر الذي يتعبه.. ومن كثرة المنومات قد يترهل جسمه او تضعف ذاكرته.. والعقاقير ربما تكون لعلاج النتائج وليس الاسباب.
العلاج النفسي
بما ان العلاج النفسي يحتاج الى وقت وصبر، ففيه يريد المريض ان يفرغ كل ما في داخله، وقد يستمر ذلك بالساعات ولاشك ان العلاج النفسي ليس سهلا، كما يحتاج ايضا الى الحكمة فقد يرى الطبيب، ان شكوك المريض التي تتعبه ليست سليمة فهو يتحدث بمبالغة، بينما الحقيقة عكس ذلك.
لقد تحولت الكآبة من افكار لها اسباب خارجية الى مرض وعلينا ان نبحث كل ذلك لندخل في علاجه ولنقدم نوعا آخر من العلاج هو العلاج الروحي.