مُـدّي بسـاطيَ وامـلأي أكوابي
وانسي العِتابَ فقد نسَـيتُ عتابي
عيناكِ، يا بغداد، منـذُ طفولَتي
شَـمسانِ نائمَـتانِ في أهـدابي
لا تُنكري وجـهي، فأنتَ حَبيبَتي
وورودُ مائدَتي وكـأسُ شـرابي
بغداد.. جئتُـكِ كالسّـفينةِ مُتعَـباً
أخـفي جِراحاتي وراءَ ثيـابي
ورميتُ رأسي فوقَ صدرِ أميرَتي
وتلاقـتِ الشّـفَتانُ بعدَ غـيابِ
أنا ذلكَ البَحّـارُ يُنفـِقُ عمـرَهُ
في البحثِ عن حبٍّ وعن أحبابِ
بغداد.. طِرتُ على حريرِ عباءةٍ
وعلى ضفائـرِ زينـبٍ وربابِ
وهبطتُ كالعصفورِ يقصِدُ عشَّـهُ
والفجـرُ عرسُ مآذنٍ وقِبـابِ
حتّى رأيتُكِ قطعةً مِـن جَوهَـرٍ
ترتاحُ بينَ النخـلِ والأعـنابِ
حيثُ التفتُّ أرى ملامحَ موطني
وأشـمُّ في هذا التّـرابِ ترابي
لم أغتـربْ أبداً... فكلُّ سَحابةٍ
بيضاءُ، فيها كبرياءُ سَـحابي
إن النّجـومَ السّـاكناتِ هضابَكمْ
ذاتُ النجومِ السّاكناتِ هِضابي
بغداد.. عشتُ الحُسنَ في ألوانِهِ
لكنَّ حُسـنَكِ لم يكنْ بحسـابي
ماذا سـأكتبُ عنكِ يا فيروزَتي
فهـواكِ لا يكفيه ألـفُ كتابِ
يغتالُني شِـعري، فكلُّ قصـيدةٍ
تمتصُّني، تمتصُّ زيتَ شَبابي
الخنجرُ الذهبيُّ يشربُ مِن دَمي
وينامُ في لَحمي وفي أعصـابي
بغداد.. يا هزجَ الخلاخلِ والحلى
يا مخزنَ الأضـواءِ والأطيابِ
لا تظلمي وترَ الرّبابةِ في يـدي
فالشّوقُ أكبرُ من يـدي ورَبابي
قبلَ اللقاءِ الحلـوِ كُنـتِ حبيبَتي
وحبيبَتي تَبقيـنَ بعـدَ ذهـابي