د. فريدة صادق
هل عمل المرأة عامل مؤثر في وقوع الطلاق؟
الطلاق الناجم بسبب عمل المرأة خارج البيت إنما هو سبب استدعته تراكمات من الأسباب التي تجعل من العمل هو السبب الداعي للطلاق في بعض الأحيان.
(ويعتبر عمل المرأة من أسباب تصاعد الخلافات الزوجية، وذلك حين تعطي بعض الزوجات لعملهن الاهتمام الأكبر على حساب علاقتهن بأزواجهن وأبنائهن)[i].
فإن أسباب الوصول إلى هذه النتيجة لا ترجع بالأصالة إلى عمل المرأة مباشرة، وإنما إلى أسباب غير مباشرة متعلقة بالعمل نفسه لتجد في الطلاق الحل السريع لها، ومنها ما هو متعلق بالمرأة ولذا يكون طلب الطلاق من جانبها، ومنها ما يرجع إلى الرجل فيكون طلب الطلاق من جانبه.
أولاً: أسباب طلب المرأة العاملة للطلاق.
- الخلاف بين الزوجين:
الحقيقة أن الخلافات اليومية بين الزوجين أمر عادي في عدم الاتفاق على شؤون بيتية، إلا أن الخلافات المقصودة هنا هي الخلافات الجوهرية التي تجد في عمل المرأة النقطة التي يفيض بها الكأس، لينهدم عش الزوجية.
فالمرأة العاملة تجد في عملها متنفساً لخلافاتها مع زوجها، حين تتحدث مع زميلاتها أو زملائها، ومن هنا يحدث أن يتدخل طرف ثالث في الخلاف البسيط ليتحول إلى خلاف عميق، فتجد المرأة نفسها تسمع بشغف للطرف الثالث علّه يوجهها إلى الحل الأفضل لهذه الخلافات الدائمة (إذا كانت كذلك).
- الاختلاط المؤدي إلى عقد الزوجة مقارنات بين زوجها وزملائها من الرجال:
الحقيقة أن الاختلاط في أماكن العمل أحد أهم أسباب المشاكل بين المرأة وزوجها، فلو أنه لا وجود للاختلاط لكان عمل المرأة يمكن تقبله في أحيان كثيرة من طرف الزوج، لأن الاختلاط من شأنه أن يوسع مجال علاقات المرأة مع زملائها من الرجال وتدخل معهم في حديث عن أمور خارجة عن مجال العمل وشؤونه، ومن ثمة تحدث العلاقات الآثمة في بعض الأحيان لتهجر المرأة زوجها وتقع في حب زميلها، وتطلب الطلاق، (وهنا حادثة كنت قد قرأتها في جريدة ماليزية يومية لا أنساها ما حييت: عن ماليزية مسلمة متزوجة وذات أطفال تقع في غرام زميلها الصيني غير المسلم وتسأل عن الحل؟!).. أي حل لهذه المرأة التي تسأل عن حل في علاقة محظورة أولاً، ومع صيني غير مسلم ثانياً؟!!
فالقضية تضمنت محظورين شرعيين، فهل فيه أكثر من هذا مثالاً؟
وكثير جداً ما يحدد العلماء والدعاة لعمل المرأة شروطاً وضوابط يجب الالتزام بها لمصلحة المرأة نفسها ومصلحة المجتمع عموماً، ودائماً يكون شرط عدم الاختلاط هو أحد الشروط الأساسية، ولم يأت هذا الشرط هباءً، إنما جاء لأجل تجنب المفاسد التي تنجم من الاختلاط سواء أكانت مفاسد أخلاقية أو اجتماعية.
- انفتاح المرأة العاملة على العالم الخارجي بمغرياته وشهواته:
إن المرأة العاملة وبخروجها اليومي تحصل على "مزيد من حرية من التنقل والتجول والتخلص من مسؤوليات البيت والأسرة"[ii].
هذا التنقل الذي تحتج به على شراء مستلزماتها الخاصة، فالقائمة طويلة ولا يفهم فيها الزوج، خاصة مستلزمات خروجها اليومي.. وبالتنقل بين المحلات والتجوال الطويل للتسوق تبتعد المرأة العاملة عن بيتها متخلصة بذلك من أقل أقل وقت تعطيه لأبنائها، وهي بذلك تردد أنها تخرج بغرض الترويح عن النفس من ضجيج الأولاد والكآبة التي تنبعث بنفسها ببقائها معهم أطول فترة ممكنة في اليوم أو الأسبوع ككل!
- الكسب المادي المستقل بها:
خروج المرأة للعمل واستقلالها الاقتصادي وراء معظم المشاكل الزوجية؛ فقد كانت المرأة تعتمد على زوجها اقتصادياً فتتأقلم مع المشاكل وتصبر لتستمر حياتها معه، أما اليوم فالمرأة كل أملها أن تبني مستقبلها المادي.
وبالإضافة إلى المشاكل الاقتصادية المترتبة على خروج المرأة للعمل، فلم تعد هناك الثقة والشعور بالأمان بين الزوجين، خاصة المرأة، فالمرأة أصبح كل أملها تأمين نفسها اقتصادياً بعد أن كان زوجها كل حياتها، الطموحات المادية؛ فالكماليات أصبحت أساسيات في حياة كل أسرة اليوم[iii].
وهذا من ناحية أما من الناحية الأخرى فإن الخصام يحدث بين الزوج والزوجة في: من الأحق بهذا المال؟
إذ ترى الزوجة أنها تتعب وتشقى داخل البيت وخارجه، وبالتالي فلها الحق الكامل في هذا المال، ولها كامل حرية التصرف فيه، سواء على نفسها وبيتها فقط، أم تعطي منه لأبيها وأمها أو إخوانها مثلاً ممن تعيلهم.
في حين يرى الزوج أنه وأبناؤهما الأحق بالمال فقط لأنه هو الذي سمح لها بالعمل، ومنه فإنه لا يناقشها في أمور البيت وإهمالها له ولأولادهما، وبالتالي فلا حق لأسرتها في هذا المال.
وهنا تظهر مسألة مهمة تؤدي إلى الخلاف ووقوع الطلاق بين أفراد المجتمع الماليزي هذه المسألة هي ما يسمى (المال المشترك).. "ونظراً إلى أن معظم النساء الملاويات تجلبن دخلاً للأسرة فهناك أحكام في المجتمع المالوي غير موجودة في المجتمعات الأخرى وذلك مثل مسألة الممتلكات المشتركة في حالة الطلاق"[iv].
والمقصود بالمال المشترك كما جاء في قانون الأحوال الشخصية الماليزي: "المال والممتلكات المتحصل عليها خلال فترة الزواج بالتعاون بين الزوجين"[v]. وتثار هذه المسألة في العادة بعد الطلاق أو وفاة أحد الزوجين، فهي لا تدخل في متعة المطلقة ولا تدخل أيضاً في الميراث، إنما يرى المقننون الماليزيون أنه من الواجب تحديد نصيب كل طرف سواء أكان الزوجان عاملين، أو في حال بقاء الزوجة في البيت ترعى وتربي أطفالهما.. ففي حال عمل المرأة خارج البيت تظهر بصورة مباشرة مدى مساهمتها في شراء أغراض البيت وأثاثه أو المشاركة في بناء البيت والسيارة وغيرها، وأما في حال عدم عمل المرأة خارج البيت هنا تثار النزاعات بين الزوجين على اعتبار أن المرأة كانت تؤدي وظيفة الأمومة والتنظيف والطبخ مما تحتاج فيه إلى مقابل سوى النفقة أو متعة الطلاق، وهنا النزاع والخلاف القانوني.
ثانياً: أسباب طلب الرجل للطلاق.
- الخلاف بين الزوجين:
الخلافات اليومية بين الأزواج تتغذى وتتطعم وتزداد بمدى الضغط النفسي الذي يعيشه كلاهما، فتجد في الخلافات تفريغاً وتوسيعاً ليتعمق الخلاف البسيط إلى خلاف مزمن يثور في كل لحظة انفعال أو غضب، فعمل المرأة يثير نار الخلافات اليومية مثلما يغذي القش النار.
- إهمال العاملة لزوجها وأولادها وبيتها عموماً:
كما سبقت الإشارة إليه في موضوع السلبيات العائدة على الأسرة بسبب عمل المرأة خارج البيت، فهذه الآثار تستدعي في مرات كثيرة أن يلجأ الزوج لطلب الطلاق؛ لأن زوجته وبسبب انشغالاتها الخارجية والضغوط النفسية التي تعاني منها عند رجوعها إلى البيت، يحدث أن تهمل أبناءها وزوجها إهمالاً وإن كان غير مقصود، ولكنه ذو نتائج وخيمة على نفسية الأبناء والزوج ابتداء مما يحذو به أن يفكر أو يبادر بالتهديد بالطلاق، لأن الجو الأسري انعدم، والعناية بالزوج قلّت، والاهتمام بالأولاد لا مجال له، وأما ترتيب البيت وتهيئته فلا مجال للحديث عنه.
- غيرة الزوج:
نوعية عمل المرأة خارج البيت، ومدى اختلاطها مع الرجال هو الذي يسبب غيرة الزوج، إذ تجده في عمله يفكر في زوجته العاملة وماذا تفعل خلال ساعات عملها، خاصة إذا كانت تشتغل في وسط مليء بالزملاء من الرجال ونوع العمل يستلزم منها اختلاطاً بهم، ومجالسة مستمرة بينهم.. إذ يحدث نوع من العلاقة الحميمية بين النساء والرجال العاملين في وسط واحد، خاصة المغلق منه (العمل الإداري بأنواعه) مما يكون مدعاة لغيرة الرجل.
سبل تقليص الوقوع في مأزق الطلاق وانحلال الأسرة
وبغرض التقليل من حدة هذه المشكلة أو حلها جذرياً يستلزم التعاون مع الجهات المختصة لتقنين بعض المواد المتعلقة بهذا الموضوع، فإن الموضوع يحكمه طرفان؛ المرأة العاملة نفسها، والجهة التي تعمل بها.
أولا: الطرق الوقائية الإجرائية التي تعدها الدولة ومراكز العمل.
فمن جهة مكان عمل المرأة يجب مراعاة:
- ضوابط عمل المرأة والبيئة التي تعمل بها ونوعية العمل:
- أن يكون العمل ذاته مشروعاً، فلا يكون من الأعمال المبتذلة مثلاً، ولا يشوبه حرام في نفسه أو مفضياً إلى ارتكاب حرام؛ كالمرأة التي تعمل خادمة لدى رجل أعزب، إذ ينبغي على المرأة أن تختار العمل الذي يرضي الله وليس فيه معصية له سبحانه[vi].
- "أن يكون العمل متناسباً مع طبيعة المرأة وفطرتها الأنثوية، وقدراتها الجسمية، واستعداداتها النفسية"[vii].
- تخصيص أماكن عمل للنساء فقط في الأماكن التي تستلزم أن تكون مغلقة (الوظائف الإدارية مثلاً وقطاعات الخدمات)، في جو تحوم عليه الأجواء الإسلامية تطبيقاً لشرع الله في تحريم الخلوة بين الرجل والمرأة، فعلى المرأة أن تتخير أماكن العمل التي تكون فيها في مأمن من الاختلاط بالرجال والخلوة بهم.
ومعنى هذا "توفير الجو الملائم والمناخ المناسب لعمل المرأة في إطار العفة والكرامة وصيانة العرض والشرف بعيدة عن كل مواقع الشبهات والريب والشكوك والمزايدات والمساومات"[viii].
- مراعاة خصوصيات المرأة العاملة مع حقوق الطفل قبل المدرسة:
الحالة الأولى:
المرأة العاملة الحامل، والمرأة العاملة ذات أطفال في سن ما قبل المدرسة.
مما تدعو إليه الأمهات العاملات السلطات المعنية بالأمر بخصوص المرأة العاملة الحامل أن تولي أهمية لمسألة الحمل ذاتها، فإن الجنين يحس بأمه وهي تتعب أو هي مكتئبة ومجهدة، كما لا يمكن تجاهل الفترة الأولى للحمل (الثلاثة أشهر الأولى) بحيث تكون نفسية المرأة متدهورة والأعراض المرضية كثيرة، فكيف لعاملة تأدية عملها على أحسن وجه وهي تمر بهذه الفترة الصعبة.
"إن الأمهات العاملات والحوامل في نفس الوقت قد يكن عرضة للإجهاد النفسي بسهولة، ويحتجن لمساندة المشرفين عليهن في أماكن العمل للموازنة بين ضغط العمل ومتعة الحمل.. وهذا تحدٍ كبير في ثقافة العمل التي تؤكد على أهمية الحصول على الأرباح أولا، متوقعة من العاملات حل مشاكلهن وشكاواهن الأسرية بأنفسهن.. يجب على المجموعات النسائية إقناع المنظمات بمسؤوليتهن الأخلاقية في المحافظة على أجيال المستقبل"[ix].
ناهيك عن فترة ما بعد الولادة حيث ما إن تنهي المرأة مدة عطلة الأمومة (وهي مشكلة أخرى وجب النظر فيها) وترجع إلى عملها، يبقى رضيعها في حاجة إليها، وقد يستغني الرضيع عن أمه بزجاجة حليب اصطناعي، ولكنه لا يستغني عن حنانها ودف صدرها، وهو مما أولت له بعض الدول اهتماماً، فأصدرت قوانين تسمح للعاملة بما أسمته (ساعة الرضاع)، فهي إما ساعة في الصباح بحيث تدخل العاملة عملها متأخرة بنحو ساعة، أو تخرج قبل نهاية الدوام بساعة كما هو القانون الجزائري.
في حين أن القانون السعودي يجعل اختيار هذه الساعة للمرأة تختارها أنى تشاء.
أما عن عطلة الأمومة فهي أم المشكلات إذ إن بعض الدول حددتها بشهرين (ماليزيا مثلاً)، والبعض الآخر 3 أشهر (الجزائر مثلاً).
غير أن الحديث الدائر هذه الأيام، والنقاش يدور حول مدى إمكانية زيادة مدة هذه العطلة، وهنا وجب التفريق بين عطلة الولادة وعطلة الأمومة.
فعطلة الأمومة يمكن أن تصل إلى الثلاث سنوات مثلاً أين يمكن للطفل أن يُرسل إلى الروضة، ففي نيوزيلاند يدور الحديث عن سنتين وفي الإمارات ثلاث سنوات، وفي مصر الحديث عن ست سنوات (أي قبيل دخول الطفل للمدرسة)، وبين هذا وذاك يبقى كفاح الأمهات العاملات مستمراً حتى يتحقق لهن الأمل المنشود في التوفيق بين العمل خارج البيت وبين إنجاب ورعاية وتربية الأبناء!
الحالة الثانية:
وجود الأولاد في المدرسة.
تورد الأستاذة الدكتورة خليجة الماليزية محمد صالح وهي الأستاذة المتخصصة في الفيزياء، تورد تساؤلاً مهماً ومثيراً يخاطب المرأة ابتداءً والأب تبعاً، ثم تخاطب الجهات الحكومية المعنية والمهتمة بخروج النساء للعمل قائلة:
"كيف يمكن تأسيس رعاية الأطفال؟ وما الممكن تقديمه للآباء لضمان أن أطفالهم الذين تركوهم عندما ذهبوا لأعمالهم غير محرومين من الحب والرعاية الطيبة والتنشئة التي يحتاجونها لنمو وتطور متكامل"[x].
وفي هذه المسألة أقترح كحل لها أن تكون مدة عمل المرأة نصف دوام بنصف راتب، بحيث تختار المرأة عملها إما أن يكون في نصف النهار الأول أو النصف الثاني تماشياً مع البرنامج الدراسي لأطفالها.
ففي ماليزيا مثلا للوالدين اختيار ساعات الدراسة المناسبة لأبنائهم إما البرنامج الصباحي أو المسائي، وهذا الاختيار يبدأ من روضة الأطفال وحتى المدارس الثانوية، ومن هنا فللأم العاملة أن تختار العمل في الفترة المتوافقة مع دراسة أبنائها، ليكون لها الوقت الكافي للبقاء معهم بحيث ترعاهم في هذه المدة وتعني بشؤونهم المتعددة إما الدراسية منها أو من ناحية تجهيز أكلهم والأهم من هذا وذاك الجلوس إليهم والاستماع منهم.
- وضع قوانين لمنع التحرش الجنسي أثناء تأدية العمل وخارجه:
التحرش الجنسي بأنواعه الفعلية أو القولية من أكبر المصاعب التي تواجهها المرأة العاملة؛ خاصة وهي في طريقها لمكان العمل، أو في مقر العمل نفسه.
وعلى الرغم من أن هذه المشاكل تندر في المجتمع الماليزي، فإن القانون الماليزي شرّع لهذه المسالة قوانين مضبوطة، كما تنص عليه المادة 106 من قانون حماية النساء والفتيات لعام 1973م والذي ما يزال ساري المفعول.
ثانيا: الطرق الإجرائية التي تخص المرأة العاملة.
وأما ما يخص جانب المرأة العاملة، فإن كان ولابد من العمل خارج البيت حسب الضرورة التي تقتضي هذا الخروج؛ فإن المطلوب منها تحليها بالأخلاق الإسلامية التي تُلزمها بعدم مخالطة الرجال من زملائها أكثر مما يقتضيه العمل وبحياء وحشمة. فإن كثيراً من النساء يجهلن قيم الإسلام وأحكامه ومقاصده، خاصة في ظل ضعف الإيمان لديهن مقابل الإغراءات التي توجه ميول النساء وتحدد اتجاهها.
فلا يصح خروج النساء للعمل قصد مساعدة أزواجهن أو أوليائهن وهذا قصد مشروع، وفي الوقت نفسه ينسقن وراء أمور غير مشروعة داخل مقر العمل أو خارجه مما يتنافى والمقصد العام وهو طاعة الله تبارك وتعالى واتباع أوامره والانتهاء عن نواهيه.